فصل: من فوائد الخازن في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وقوله: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} جملة في موضع الحال مبيّنة لما قبلها، أي لا يصدّكم شيء من كلّ ما أحلّ الله لكم، لأنّ الله قد فصّل لكم ما حرّم عليكم فلا تعدوه إلى غيره.
فظاهر هذا أنّ الله قد بيّن لهم، من قَبْلُ، ما حرّمه عليهم من المأكولات، فلعلّ ذلك كان بوحي غير القرآن، ولا يصحّ أن يكون المراد ما في آخر هذه السّورة من قوله: {قُل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّما} [الأنعام: 145] الآية، لأنّ هذه السّورة نزلت جملة واحدة على الصّحيح، كما تقدّم في ديباجة تفسيرها، فذلك يناكِد أن يكون المتأخّر في التّلاوة متقدّمًا نزولهُ، ولا أن يكون المراد ما في سورة المائدة (3) في قوله: {حُرّمت عليكم الميتة} لأنّ سورة المائدة مدنيَّة بالاتّفاق، وسورة الأنعام هذه مكّيّة بالاتِّفاق.
وقوله: {إلا ما اضطررتم إليه} استثناء من عائد الموصول، وهو الضّمير المنصوب بـ {حرّم}، المحذوف لكثرة الاستعمال، و{ما} موصولة، أي إلاّ الّذي اضطُررتم إليه، فإنّ المحرّمات أنواع استثني منها ما يضطرّ إليه من أفرادها فيصير حلالًا.
فهو استثناء متّصل من غير احتياج إلى جعل {ما} في قوله: {ما اضطررتم} مصدريّة.
وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وعاصم، وأبو جعفر، وخلف: {وقد فصل} ببناء الفعل للفاعل.
وقرأه ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر بالبناء للمجهول.
وقرأ نافع، وحفص عن عاصم، وأبو جعفر: {ما حرم} بالبناء للفاعل، وقرأه الباقون: بالبناء للمجهول.
والمعنى في القراءات فيهما واحد.
والاضطرار تقدّم بيانه في سورة المائدة. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لَّيُضِلُّونَ} بفتح الياء وكذلك في يونس {رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ} [يونس: 88] وفي إبراهيم {لِيُضِلُّواْ} [إبراهيم: 30] وفي الحج {ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ} [الحج: 9] وفي لقمان {لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ} [لقمان: 6] وفي الزمر {أَندَادًا لّيُضِلَّ} [الزمر: 8] وقرأ عاصم وحمزة والكسائي جميع ذلك بضم الياء.
وقرأ نافع وابن عامر هاهنا وفي يونس بفتح الياء، وفي سائر المواضع بالضم، فمن قرأ بالفتح أشار إلى كونه ضالًا، ومن قرأ بالضم أشار إلى كونه مضلًا.
قال: وهذا أقوى في الذم لأن كل مضل فإنه يجب كونه ضالًا، وقد يكون ضالًا ولا يكون مضلًا، فالمضل أكثر استحقاقًا للذم من الضال.
فائدة:
المراد من قوله: {لَّيُضِلُّونَ} قيل إنه عمرو بن لحي، فمن دونه من المشركين.
لأنه أول من غير دين إسماعيل واتخذ البحائر والسوائب وأكل الميتة.
وقوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} يريد أن عمرو بن لحي أقدم على هذه المذاهب عن الجهالة الصرفة والضلالة المحضة.
وقال الزجاج: المراد منه الذين يحللون الميتة ويناظرونكم في إحلالها، ويحتجون عليها بقولهم لما حل ما تذبحونه أنتم فبأن يحل ما يذبحه الله أولى.
وكذلك كل ما يضلون فيه من عبادة الأوثان والطعن في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام فإنما يتبعون فيه الهوى والشهوة، ولا بصيرة عندهم ولا علم.
فائدة:
دلت هذه الآية على أن القول في الدين بمجرد التقليد حرام، لأن القول بالتقليد قول بمحض الهوى والشهوة، والآية دلت على أن ذلك حرام. اهـ. بتصرف يسير.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيَضِلُّونَ}
قرأ الكوفيون {يُضِلون} من أضل.
{بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ} يعني المشركين حيث قالوا: ما ذبح الله بسِكِّينه خير مما ذبحتم بسكاكينكم {بِغَيْرِ عِلْم} أي بغير علم يعلمونه في أمر الذبح؛ إذ الحكمة فيه إخراج ما حرّمه الله علينا من الدم بخلاف ما مات حَتْف أنْفه؛ ولذلك شرع الذكاة في محل مخصوص ليكون الذبح فيه سببًا لجذب كل دم في الحيوان بخلاف غيره من الأعضاء. والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِنَّ كَثِيرًا} من الكفار {لَّيُضِلُّونَ} الناس بتحريم الحلال وتحليل الحرام كعمرو بن لحي وأضرابه الذين اتخذوا البحائر والسوائب وأحلوا أكل الميتة، وعن الزجاج إن المراد بهذا الكثير الذين ناظروا في الميتة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {لَّيُضِلُّونَ} بفتح الياء {بِأَهْوَائِهِم} الزائغة وشهواتهم الباطلة {بِغَيْرِ عِلْمٍ} مقتبس من الشريعة مستند إلى الوحي أو بغير علم أصلا كما قيل وذكر ذلك للإيذان بأن ما هم عليه محض هوى وشهوة، وجوز أن يكون من قبيل قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الأنبياء بِغَيْرِ حَقّ} [آل عمران: 112]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ} تحذير من التشبّه بالمشركين في تحريم بعض الأنعام على بعض أصناف النّاس.
وهو عطف على جملة: {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه}، ويجوز أن يكون الواو للحال، فيكون الكلام تعريضًا بالحذر من أن يكونوا من جملة من يضلّهم أهل الأهواء بغير علم.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب: {ليَضِلُّون} بفتح الياء على أنّهم ضالّون في أنفسهم، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف: بضمّ الياء على معنى أنَّهم يُضلّلون النّاس، والمعنى واحد، لأنّ الضالّ من شأنه أن يُضلّ غيره، ولأنّ المُضلّ لا يكون في الغالب إلاّ ضالًا، إلاّ إذا قصد التّغرير بغيره.
والمقصود التّحذير منهم وذلك حاصل على القراءتين.
والباء في {بأهوائهم} للسببيّة على القراءتين.
والباء في {بغير علم} للملابسة، أي يضلّون مُنقَادِين للهوى، مُلابسين لعَدم العلم.
والمراد بالعلم: الجزم المطابق للواقع عن دليل، وهذا كقوله تعالى: {إن يتَّبعون إلاّ الظن وإن هم إلاّ يَخْرصون} [الأنعام: 116].
ومن هؤلاء قادة المشركين في القديم، مثل عَمْرو بن لُحَيّ، أوّللِ من سنّ لهم عبادة الأصنام وبَحَّر البحيرة وسيَّب السائبة وحَمَى الحامِي، ومَن بعده مثل الّذين قالوا: (ما قتل اللَّهُ أولى بأن نأكله ممّا قتلنا بأيدينا). اهـ.

.قال الفخر:

المراد منه أنه هو العالم بما في قلوبهم وضمائرهم من التعدي وطلب نصرة الباطل والسعي في إخفاء الحق، وإذا كان عالمًا بأحوالهم وكان قادرًا على مجازاتهم فهو تعالى يجازيهم عليها، والمقصود من هذه الكلمة التهديد والتخويف. والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين} المتجاوزين (لحدود) الحق إلى الباطل والحلال إلى الحرام فيجازيهم على ذلك، ولعل المراد بهم هذا الكثير، ووضع الظاهر موضع ضميرهم لوسمهم بصفة الاعتداء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {إن ربك هو أعلم بالمعتدين} تذييل، وفيه إعلام للرّسول صلى الله عليه وسلم بتوعّد الله هؤلاء الضالّين المضلين، فالإخبار بعلم الله بهم كناية عن أخذه إيَّاهم بالعقوبة وأنَّه لا يفلتهم، لأنّ كونه عالمًا بهم لا يُحتاج إلى الإخبار به.
وهو وعيد لهم أيضًا، لأنَّهم يسمعون القرآن ويُقرَأ عليهم حين الدّعوة.
وذِكْرُ المعتدين، عقب ذكر الضالّين، قرينة على أنَّهم المراد وإلاّ لم يكن لانتظام الكلام مناسبة، فكأنَّه قال: إنّ ربّك هو أعلم بهم وهم معتدون، وسمّاهم الله معتدين.
والاعتداء: الظلم، لأنَّهم تقلّدوا الضّلال من دون حجّة ولا نظر، فكانوا معتدين على أنفسهم، ومعتدين على كلّ من دَعوه إلى موافقتهم.
وقد أشار هذا إلى أنّ كلّ من تَكلَّم في الدّين بما لا يعلمه، أو دعا النّاس إلى شيء لا يعلم أنّه حق أو باطل، فهو معتد ظالم لنفسه وللنّاس، وكذلك كلّ ما أفتى وليس هو بكفء للإفتاء. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)} يعني أي شيء عليكم لو تركتم الغفلة؟ وما الذي يضركم لو استدمتم الذكر؟
وقد تبيَّن لكم الفَرْقُ بين أُنْس الذكر ووحشة الغفلة في الحال والوقت، أَلاَ تعرفوا حكم الثواب والعقاب في المآل. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وما لكم ألاّ تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} يعني وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا وما يمنعكم من أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وهذا تأكيد في إباحة ما ذبح على اسم الله دون غيره: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} يعني وقد بين لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون.
وقال جمهور المفسرين: المراد بقوله وقد فصل لكم ما حرم عليكم المحرمات المذكورة في قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به} وأورد الإمام فخر الدين الرازي هاهنا إشكالًا فقال: في سورة الأنعام مكية وسورة المائدة من آخر ما أنزل الله تعالى بالمدينة، وقد فصل يجب أن يكون ذلك المفصل متقدمًا على هذا المحل والمدني متأخر على المكي فيمتنع كونه متقدمًا ثم قال بل الأولى أن يقال قوله تعالى بعد هذه الآية: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير} وهذه الآية وإن كانت مذكورة بعد هذه الآية بقليل إلا أن هذا القدر من المتأخر لا يمنع أن يكون هو المراد قال كاتبه ولما ذكره المفسرون وجه وهو أن الله لما علم أن سورة المائدة متقدمة على سورة الأنعام في الترتيب لا في النزول حسن عود الضمير في قوله وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلى ما هو متقدم في الترتيب وهو قوله: {حرمت عليكم الميتة} الآية والله أعلم بمراده.
قوله تعالى: {إلا ما اضطررتم إليه} يعني إلا أن تدعوكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة فيباح لكم ذلك عند الاضطرار {وإن كثيرًا ليضلون بأهوائهم بغير علم} يعني وإن كثيرًا من الذين يجادلونكم في أكل الميتة ويحتجون عليكم في ذلك بقولهم أتأكلون ما تذبحون ولا تأكلون ما يذبحه الله، وإنما قالوا هذه المقالة جهلًا منهم بغير علم منهم بصحة ما يقولون بل يتبعون أهواءهم ليضلوا أنفسهم وأتباعهم بذلك.
وقيل: المراد به عمرو بن لحي فمن دونه من المشركين لأنه أول من بحرَ البحائر وسيَّب السوائب وأباح الميتة وغير دين إبراهيم عليه السلام {إن ربك هو أعلم بالمعتدين} يعني إن ربك يا محمد هو أعلم بمن تعدى حدوده فأحل ما حرم وحرم ما أحل الله فهو يجازيهم على سوء صنيعهم. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} أي وأي غرض لكم في الامتناع من أكل ما ذكر اسم الله عليه؟ وهو استفهام يتضمن الأنكار على من امتنع من ذلك أي لا شيء يمنع من ذلك {وقد فصل لكم} في هذه السورة لأنها على ما نقل مكية، ونزلت في مرة واحدة فلا يناسب أن تكون {وقد فصل} راجعًا إلى تفصيل البقرة والمائدة لتأخيرهما في النزول عن هذه السورة.
وقال الزمخشري: {قد فصل لكم ما حرم عليكم} مما لم يحرم عليكم وهو قوله: {حرمت عليكم الميتة} انتهى.
وذكرنا أن تفصيل التحريم بما في البقرة والمائدة لا يناسب ودعوى زيادة لا هنا لا حاجة إليها والمعنى على كونها نافية صحيح واضح، و{أن لا تأكلوا} أصله في أن لا تأكلوا فحذف في المتعلقة بما تعلق به لكم الواقع خبرًا لما الاستفهامية ونفى {أن لا تأكلوا} على الخلاف أهو منصوب أو مجرور ومن ذهب إلى {أن لا تأكلوا} في موضع الحال أي تاركين الأكل فقوله: ضعيف لأن أن ومعمولها لا يقع حالًا وهذا منصوص عليه من سيبويه، ولا نعلم مخالفًا له ممن يعتبر وله علة مذكورة في النحو والجملة من قوله: {وقد فصل} في موضع الحال.
وقرأ العربيان وابن كثير {فصل} و{حرم} مبنيًا للمفعول ونافع وحفص {فصل} و{حرم} على بنائهما للفاعل والأخوان وأبو بكر {فصل} مبنيًا للفاعل و{حرم} مبنيًا للمفعول وعطية كذلك إلا أنه خفف الصاد ومعنى {إلا ما اضطررتم إليه} من {ما حرم عليكم} في حالة الاختيار فإنه حلال لكم في حالة الاضطرار.
قال ابن عطية: وما يريد بها جميع ما حرم كالميتة وغيرها قال هو والحوفي، وهي في موضع نصب بالاستثناء أو الاستثناء منقطع.
وقال أبو البقاء: {ما} في موضع نصب على الاستثناء من الجنس من طريق المعنى كأنه وبخهم بترك الأكل مما سمي عليه وذلك يتضمن إباحة الأكل مطلقًا.
{وإن كثيرًا ليضلون بأهوائهم بغير علم} أي وإن كثيرًا من الكفار المجادلين في المطاعم وغيرها ليضلون بالتحريم والتحليل وبأهوائهم وشهواتهم بغير علم، أي بغير شرع من الله بل بمجرد أهوائهم كعمرو بن لحي ومن دونه من المشركين كأبي الأحوص بن مالك الجشمي وبديل بن ورقاء الخزاعي وحليس بن يزيد القرشي الذين اتخذوا البحائر والسوائب.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {ليضلون} بفتح الياء هنا وفي يونس {ربنا ليضلوا} وفي إبراهيم {أندادًا ليضلوا} وفي الحج {ثاني عطفه ليضل} وفي لقمان {ليضل عن سبيل الله} وفي الزمر {أَندادًا ليضل} وضمها الكوفيون في الستة وافقهم الصاحبان إلا في يونس وهنا ففتح.
{إن ربك هو أعلم بالمعتدين} أي بالمجاوزين الحد في الاعتداء فيحللون ويحرمون من غير إذن الله وهذا إخبار يتضمن الوعيد الشديد لمن اعتدى أي فيجازيهم على اعتدائهم. اهـ.